نصادف احياناً في حياتنا أناس يملكون علينا عواطفنا ، يتمتعون بشخصيات جذابة تؤثر فيمن يخالطون ، وكل منا يتمنىأن يمتلك مثل هذه الشخصيات ، وبالطبع هناك مقومات أساسية لتلك الشخصيات كنت قد ذكرتبعضاً منها في مقال سابق بعنوان (فن التعامل .. مفتاح لقلوب الناس) كان الحديث فيهعن فن التعامل بشكل عام ، بينما هنا فيه بعض الخصوصية .. وسنركز الحديث عنها في هذاالمقال بشكل صريح وبدون أي تحفظات :
أولاً - المظهر :
لأن الشكلأول ما يجذب العين ، ويكون بمثابة تذكرة المرور إلى القلوب كان لا بد من أن نضعه فيأول أولوياتنا .. وأن نوليه القدر الكافي من الاهتمام ، وبطبيعة الحال أنا لا أعنيهنا الخلقة فليس بمقدورنا تغييرها ، لكن أقصد الأناقة وحسن الهندام، والاهتمامبالنظافة الشخصية كالأظافر والعناية بالشكل، والحرص على وضع عطر هادئ وجميل، لأنأغلب العطور الفواحة تسبب الصداع وتثير عند البعض الحساسية وبالتالي تشعر منتجالسهم بالضيق، إضافة إلى أن العطور الفواحة - فضلاً عما ذكر - لا تصلح للمجالسوالأماكن المغلقة .
وعلينا أن ندرك أنه ليس شرطاً أن يرتدي أحدنا أغلىالملابس ويبتاع أثمن العطور ليحقق هذه الغاية ، لكن يتم ذلك من خلال الاهتمامبالتناسق بين ألوانها حتى وإن اتسمت بالبساطة .
حاول أن تبدو مبتسماً هاشاًباشاً ، فالابتسامة تعرف طريقها إلى القلب ، ولا تتعارض أبداً مع الوقار ، علىالعكس تماماً من الضحك .
ثانياً - آداب المجالسة :
عندما تجلس معأحد حاول بقدر الإمكان أن توليه كل اهتمامك ولا تتشاغل بالنظر إلى الأرض ، ولا تحرصعلى الالتصاق به، فقد يكون معك ما ينفره منك، وقلل من الحركة والالتفات فهي دليلالحمق ، وانتبه لكل حركاتك لأنك قد تغفل وتقوم ببعض العادات السيئة ، وحاول أن تجعلكل تفكيرك في حديث من يقابلك فقد يسألك عن نقطة ولا تستطيع الإجابة عليها فيأخذ ذلكعلى أن حديثه مملاً ولا يروق لك .
عند الزيارة حاول بقدر الإمكان أن تكونخفيفاً ، وألا تطيل البقاء خاصة إن كنت أنت الزائر الوحيد أو الغريب في مجتمع عائليأو متجانس ، وعليك أن تختار الأوقات المناسبة للزيارة ، وأن تكون قدر الإمكان بدعوة، وحتى ولو رأيت استحسانه لمجالستك لا تكثر من زيارته إلا إن دعاك حتى لا تبدوشخصاً مزعجاً مملاً يندم على أنه تعرف إليك ، كما يجب عليك ألا تجلس إلا في المكانالذي يختاره لك .
حاول عدم استخدام هاتفك المحمول بإجراء اتصالاتك أثناءاجتماعكما ، وألا تستخدمه إلا لضرورة أو للرد على اتصال بهدوء وصوت منخفض وأن يكونالرد بشكل مقتضب، ولا تمد يدك لتستخدم هاتفه إلا لضرورة وبعد استئذان.
لاتقاطعه لتستأذن بالانصراف أثناء تحدثه معك ، وإذا استأذنت لا تتحدث بأي شيء سوىالإطراء لجميل ضيافته لك ، وعليك ألا تتحدث أمامه عن أحد بما يكره ، ولا تظهرأخطائه أو هفواته أمام أحد فهذا سيعطي انطباعاً عنك بأنك غير جدير بأن يدعوك أحدلمنزله .
إن حدث ودعاك للطعام حاول بقدر الإمكان الاعتذار ، وإن أُحضر لاتكثر من الأكل حتى وإن كنت جائعاً ، ولا تأكل بسرعة ، ولا تتحدث وبفمك طعام ، وإنقدم لك القهوة أو الشاي احرص ألا تشرب إلا بعد أن يشرب هو من كوبه فقد يكون فيه ماتكره فيقع في حرج شديد .
حاول بقدر الإمكان عدم النظر لهيئة المجلس وأثاثهبحضوره ، وابتعد عن الفضول بقراءة ما حولك من صحف ومجلات وأوراق ، ولا تمد يدك لأيشيء مما تقع عليه عينيك فهذه صفات ذميمة .
حاول أن تكون معتدلاً في جلوسك،فبعض أوضاع الجلوس تعبر عن سوء الأدب، ولا تمد رجليك في حضرته ، ولا تضع رجلاً علىرجل .
عند بداية الحضور لا تسابقه إلى الدخول ، وعند الانصراف لا تخرج قبلهلتمنحه الفرصة في أن يصلح من شأن مكان مرورك .
عود نفسك على السيطرة علىتصرفاتك والابتعاد عن العادات السيئة كالعبث في الأسنان والأذنين والأظافر والأنف ،فهي أعمال منفرة تثير الاشمئزاز والاستقذار، وحاول ألا تظهر التثاؤب وأن لم تستطعأبقِ فمك مغلقاً أو سده بيدك، فالتثاؤب صفة مذمومة شرعاً وعرفاً ، وفتح الفم فيهايعبر عن قلة الذوق والأدب .
ثالثاً - آداب الحديث :
حاول أن تكونمنصتاً ومستمعاً أكثر من أن تكون متحدثاً ، وفكر جيداً في صفة كلامك قبل أن تنطق به، وانتق مفرداتك بشكل جيد ، ولا تتحدث فيما لا تفقه به أو ما لا يتوفر لديك معلوماتكافية عنه ، ولا ترفع صوتك ، ولكن تحدث بشكل هادئ وطبيعي ، ولا تقاطع محدثك بحديثكحتى وإن كان لديك توضيحاً أو اعتراضاً ما لم يتوجه لك باستيضاح أو سؤال ، ولا تكثرمن الاعتراضات حتى وإن كنت على حق، وإن كنت لا بد فاعلاً فحاول أن يكون ذلك بطريقةلطيفة ولبقة، وحاول أن يكون الحديث في نفس المجال الذي حدثك به، ولا تبادر في فتحمجال جديد للحديث حتى تعرف توجهات من تجالس ، فقد تتحدث بما لا يناسبه أو يمسه، وإنكان لا بد من أن تبدأ أنت الحديث حاول انتقاء الموضوع الشيق ، ولا تحرص على التحدثفيما لا يصدق حتى وإن كان ذلك حقيقياً وحدث بالفعل ، ولا تحرص على الإسهاب بحديثك،وأعط من يجالسك الفرصة في أن يشاركك ، وابتعد عن الغيبة والنميمة وكثرة الانتقادات .
إن كان لقاءكما هو الأول فلا تتحدث كثيراً عن نفسك حتى لا تبدو في نظرهنرجسياً، ولا تتكلف ما ليس فيك ، وعليك أن تتحدث بكلمات مفهومة ، وأن تركز أفكاركحتى تبدو أكثر ثقة بنفسك ، وألا تكثر من الحديث عن عملك وحياتك الخاصة فتبدوثرثاراً ليست لديك أي خصوصية، وابحث عن مجالات الحديث العامة المشتركة.
وحتى وإن كانت لقاءاتك معه كثيرة هناك أموراً خاصة لا يليق بك الحديث عنهافي حياتك الخاصة ، ولا تسأل أيضاً في أموره الخاصة ، وإن حاول هو الحديث عنها حاولأنت أن تبتعد في حديثك عن الخوض فيها حتى وإن كانت هناك مناسبة للمشاركة.
رابعاً – حقوق الصحبة :
نصل الآن إلى المرحلة الثانية من حسنالتعامل بعد أن تخطينا مرحلة التعارف ، لنعرف حقوق وحدود الآخرين ولا نتعدى عليها ،فمن السهل علينا أن نكسب حب الناس ولكن المحافظة على هذا الرصيد هو الصعب .
إن من أهم حقوق رفاقك عليك المحافظة على ما يدور بينك وبينهم ، وأن تحفظلهم الود والاحترام ، وأن تبتعد عن المزاح الثقيل والكلام الجارح ، والأدب والتهذيبمطلوبان مع جميع الناس حتى الأقارب منك مهما بلغت درجة العلاقة والقرب ، فمن يزرعالحب لا يجني إلا الحب ، ولتعلم أن الناس كالمرآة لا يعكسون إلا ما يقع أمامهم .
حاول أن تبتعد عن الأنانية وحب الذات ، فهي تجعلك منبوذاً يتجنبك الآخرون ،وحتى وإن ابتليت بها حاول أن تتخلص منها بالتدريج ، والأمر قد يبدو صعباً لكنه ليسمستحيلاً ، ودرب نفسك على ضبط أعصابك والابتعاد عن الغضب ، فالحلم مصدر سعادة لكلأنه يقربك من الناس في الدنيا ومن الله في الآخرة .
لا تكن لواماً ، ولامتبرماً كثير الحجج ، ولا مستكبراً ولا بخيلاً ، وإن أخطأت فبادر بالاعتذار، وتعاملمع الآخرين بصراحة ووضوح متلمساً اللطف واللين فيها ومبتعداً عن الوقاحة وقلةالذوق، وعليك بالحياء والتواضع فإنهما من سمات الأنبياء، وحاول أن تبتعد عن نقلالأخبار السيئة حتى لا يربط الناس بينك وبينها ، وتذكر أنه ليس كل ما يعلم يقال.
حاول أن تبدو متعاوناً مع الناس عندما يطلب منك المساعدة ، ولا تحرج أحداًفي قضاء حاجاتك ، واحرص على استغلال المناسبات السعيدة في التهنئة ، ولا تنسالمواساة في الأحداث المؤلمة ، ففي هاتين الحالتين ترسخ الأفعال والمواقف فيالأذهان .
اختر الأوقات المناسبة دائماً لطلب حاجتك ، وإن حدث وإن صادف لكحاجة عند أحد وكان الوقت غير مناسباً فغض النظر عن طلبها فإن تفقدها خير لك من أنتفقد معها علاقتك بأحد .
إذا كنت واقفاً أو جالساً مع مجموعة وأردتالانصراف فاستأذن ولا تنصرف فجأة حتى وإن لم يكونوا يتحدثون معك ، وإذا توقفت عندبائع الصحف وشدك عنوان في أحدها فلا تلتقطها لتقرأ ، بل خذها وأدفع ثمنها ثم أقرأهابعيداً ، وإذا جلست إلى جوار أحد يقرأ كتاباً أو مجلة أو صحيفة فلا تسترق النظرإليها لتقرأ فهذا السلوكيات غير مقبولة في كل المجتمعات .
إذا هاتفت أحدمعارفك فلا تطيل الحديث معه وأسأله عما إذا كان مشغولاً، وإذا هاتفك أوجز في كلامكولا تتحدث معه في أمور يطول شرحها فقد يكون مشغولاً ويخجل أن يعتذر منك وحاول أنتجعل أمر إنهاء المحادثة في يده دائماً .
* * * * * * * * *
أيهاالكرام .. إني لأعلم يقيناً أنكم تحملون القدر الكبير من الصفات الجميلة لكن ليسبمقدور أحدنا أن يكتفي من الفضل ، وأعلم أيضاً أن أغلب ما أتيت على ذكره سابقاً هومن الصعوبة بمكان ، لكن لا توجد سعادة بلا تعب ، ولا يوجد نجاح بلا جهد، فجني حبالناس محفوف بالمصاعب ، ولنضع في اعتبارنا أنه ليس شرطاً أن نطبق جميع الصفاتالجليلة ، لكن لنأخذ منها ما نستطيع، وكلما رغبنا في الاستزادة وزيادة الرصيدضاعفنا العمل ، ولنجعل التطبيق على مراحل ، إن محبة الناس لكم نعمة وسعادتكم بها لاتضاهيها سعادة